تجتهد الجزيرة منذ عشرة أشهر في نقل وقائع ما يجري في قطاع غزة إلى العالم باللغتين العربية والإنجليزية.
بقلم أحمد السيد جاب الله
ناقل الخبر اصبح هوا الخبر
عن إسماعيل الغول
ورفيقة المصور رامى الريفى اتحدث
تجتهد الجزيرة منذ عشرة أشهر في نقل وقائع ما يجري في قطاع غزة إلى العالم باللغتين العربية والإنجليزية. ما إن يحدث حدث حتى يسارع أحد مراسليها ومعه مصوّر وكاميرا لينقل على الهواء ما يقع ويمنح الذين فقدوا ذويهم الفرصة ليتحدثوا عما شاهدوا وعاينوا.
يتجول المراسلون بين الأحياء والشوارع والأزقة لينقلوا معاناة أهل غزة ويوصلوا أصواتهم إلى دول وشعوب العالم.
استمروا على ذلك حتى دخلت القضية الفلسطينية إلى كل بيت في العالم. حرَّكت المشاهد التي نقلتها قنوات الجزيرة الضمائر الحيّة فهبَّ الأحرار هنا وهناك للتعبير عن غضبهم والمطالبة بوقف الإبادة الجماعية التي تحدث.
كانت صور الجزيرة وشهادات الأهالي أحد الأدلة التي أخذت بها محكمة العدل الدولية.
لو لم تكن كاميرا الجزيرة في غزة لكانت الجرائم الإسرائيلية تُرتكب في صمت ولحدثت مجازر أكثر وأوسع وأبشع، رغم هول ما جرى.
كشفت الجزيرة وحشية الجيش الإسرائيلي وعنصرية وانتهازية السياسيين الإسرائيليين، فأصبحت بالنسبة لهم عدوا يجب القضاء عليه وإسكاته.
أغلقت إسرائيل مكتبي الجزيرة في القدس وتل أبيب. قتلت المراسلة شيرين أبو عاقلة. كما قتل الأمريكان قبيل غزوهم العراق مراسل الجزيرة في بغداد طارق أيوب. ثم قتلت المصوِّر سامر أبو دقة وحاولت قتل المراسل وائل الدحدوح فنجا بأعجوبة. استهدفت أسرته فقتلت زوجته وابنته وحفيده والعديد من أقاربه. ثم بعد أسابيع قتلت ابنه البِكْر.
أمس ذهب مراسلها الشاب البالغ من العمر 27 عاما، إسماعيل الغول، برفقة المصور رامي الريفي إلى مخيم الشاطئ لعمل تقرير مصوّر عن مكان ولادة إسماعيل هنية الذي اغتالته إسرائيل في طهران قبل ذلك بساعات. وقف المراسل على أنقاض بيت هنيّة وتحدث عن نشأته وحياته وبعد أن أنهى بثّه على الهواء وأثناء استقلالهم السيارة عائديْن من حيث أتيا استهدفتهما مسيَّرة إسرائيلية فأطلقت عليهما صاروخا حوَّلهما إلى أشلاء متناثرة. قطع الصاروخ رأس إسماعيل الغول وقضى على زميله رامي الريفي في التو.
لم تكن طواقم الجزيرة العاملة في غزة وحدها المستهدفة من قبل الجيش الإسرائيلي وإنما أيضا الصحفيين الفلسطينيين العاملين لمحطات ووكالات أنباء أخرى. قتلت إسرائيل منهم أكثر من 140 صحفيا في عشرة أشهر. كل هذا العدد ومع ذلك فتغطية الحرب لا تزال مستمرة ولا تزال صورة ما يحدث في غزة تُنقل إلى العالم حتى ولو كان هذا العالم قد انشغل -من طول ما يحدث- بمشاغله الخاصة.
مهمة الخبر أن ينقل ما يحدث بالصوت والصورة. أن يُخبِر المشاهد والمستمع بما حدث وأين حدث وكيف حدث. ومهمة التحليل الذي يعقب الخبر أن يضع المشاهد والمستمع في خلفيات ما حدث، فيبيّن له سياقه وأهدافه وتداعياته. قد يُخطئ المحلّل وقد يصيب، لأن الأمر تقديري ونسبي وذاتي، أما الخبر فالغالب عليه الموضوعية والأمانة، لأنه يخلو من الرأي.
تحملت الجزيرة الكثير بسبب خطها التحريري المناصر لقضايا الإنسان مهما كانت هذه المناصرة ضد مصالح بعض الأنظمة والجماعات والأفراد. تجتهد، تقدم تضحيات، يُقتل طواقمها، تُقتل عائلاتهم، يُلاحَق صحفيوها، ينامون في شوارع غزة، لا يرى الواحد منهم أهله بالشهور، وإذا رآهم يبذل جهدا مضاعفا للتوفيق بين عمله وبين تلبية مطالبهم.
كان بإمكانها أن تكون غير ذلك كعديد القنوات الأخرى، لكن الحياة اختيار وقرار، وهناك من يرغب في أن تكون دنياه مزرعة لأخراه.
رحم الله إسماعيل الغول ورامي الريفي، وكل من سبقهما على درب نقل الحقيقة وإسماع صوت الذين يئنون ويتوجعون.